ماذا حدث لأول طفل تلقى زرعة القوقعة الثنائية بعد مضي 22 عاماً؟

ها هي الصورة التي دارت حول العالم لطفل سعيد يحمل معالجين صوتيين، الذي يدعى ماكس رودر، وهو فضولي وذكي جداً.

وُلد هذا الطفل المميز عام 1994م في ألمانيا، وتم تشخيصه بضعف سمعي عميق. حينما كانت تقنية المعجزات مشهورة بأنها تمنح الأطفال فرصة السمع – باستخدام غرسة القوقعة الإلكترونية.

في عام 1996، وافق والدا ماكس على إجراء أول عملية زراعة القوقعة دون أي تردد، وبدأت رحلته في عالم جديد مليء بالأصوات.

كانت النتائج مذهلة حقاً! وعبّر الوالدان عن سعادتهما إذ أصرّا على إجراء الجراحة في الأذن الثانية، ثم حدث شيء مذهل في عام 1998م، حينما أصبح أول طفل في العالم في سن الرابعة، يتلقى غرسة القوقعة في كلتا الأذنين اليمنى واليسرى.

ماذا حدث لماكس بعدها؟

في هذه المقابلة الحصرية، سنحاول معرفة كيف تغيرت حياته على مدى 26 عاماً بفضل نظام الغرسة الموثوق به ودعم والديه، وما الذي حققه حتى الآن!..

 ما الذي جعل والديك يقلقان عندما قررا بشأن غرسة القوقعة الأولى؟

عندما كان عمري سنتين، كان هذا النوع من العمليات جديداً.
كانت هناك العديد من الأمور المؤيدة والمعارضة، لكن قرر والديّ أن أحظى بفرصة للسمع بأي ثمن.
كانوا يبحثون عن عيادة وجراح مناسبين لفترة طويلة، وبالتأكيد أرادوا شيئاً موثوقاً وحديثاً، وهذا ما قادهم إلى شركة MED-EL.

كيف قررتم إجراء العملية الثانية في غضون عامين فقط؟

حتى بعد العملية الأولى، سمعت القليل باستخدام السماعات الطبية في أذني الثانية. لكن سرعان ما توقفت عن الإستفادة وسمعت فقط باستخدام غرسة القوقعة.

لذلك، لم يتردد والدي لحظة وحسما أمرهما فوراً على إجراء العملية الثانية. إلا أنّ الذي أدهشنا حقاً هو أنني خلال 6 أيام فقط بعد التشغيل الثاني، سمعت أفضل بكثير من ذي قبل!

لقد مضت 22 سنة على ذلك. اليوم، بالنظر إلى الوراء، ما رأيك – كيف غيرت القدرة على السمع من حياتك؟

إذا قلت “القليل” سيكون ذلك كذباً. لقد أتيحت لي الفرصة بأن أعيش حياة طبيعية تماماً، درست في مدرسة عادية، وتخرجت من الجامعة، والآن.. أنا أحد مهندسي التطوير في شركة MED-EL.

كما تعلمون، أن نقول أن “الحياة تغيرت”، لن يكون هذا صحيح تماماً…

بل على العكس، قبل سنوات عديدة أتيحت لي الفرصة لأصبح جزءاً كاملاً من هذا المجتمع.

فماذا سيحدث إذا حُرمت من قدرتي على الاستماع والتواصل مع الآخرين؟ أين سأكون حينها؟
بالتأكيد، سأعيش حياة مختلفة تماماً. لن أقول أن الأمر سيكون للأسوأ، لكنني سأخبركم شيئاً واحداً بالتأكيد: لن أتغير لأي شيء، فأنا سعيد جداَ! لن أتمنى لنفسي شيئاً آخر.

كيف دعمتك عائلتك؟

كان والداي يحرصان دائماً على أن أكون الأفضل، ويسعيان لتعليمي حتى أتمكن من إدارة وتنظيم حياتي بالشكل الصحيح.

أنا ممتن للغاية لهما على هذا. كانا دائماً يثقان بي وبأختي، وبقدرتنا على مواجهة صعوبات الحياة. كان لديهما نفس الموقف تجاه غرسة القوقعة الخاصة بي – فهناك حل لكل مشكلة.

غالباً ما كنت أواجه حقيقة أن الناس يقيدون أطفالهم بطرق متعددة خوفاً عليهم. أعرف بعض الآباء الذين منعوا الطفل من فتح الأبواب، لأنهم كانوا يخشون ألا يسمع إذا كان هناك شخص ما وراءها، وآخران لم يسمحا للطفل بالرد على هاتف المنزل.

أنا رأي متشدد تجاه هذه القصص، فمثلاً: إذا كان لا يدرس، أو لا يمارس الرياضة، فلن يتمكن الشخص أبداً من تعلم شيء جديد وسيتجنب القيام بالكثير من الأمور.

هل كان هناك أي اختلاف في التربية أو التفريق بينك وبين أختك؟

لا، لم يكن هناك أي اختلاف. فقد ذهبنا إلى المدرسة نفسها. على سبيل المثال: كان لدينا برنامج التبادل الطلابي بين ألمانيا ونيوزيلندا، وانتهزت أختي الأكبر مني بسنتين هذه الفرصة لتعلم اللغة الإنجليزية وأعجبتها حقاً هذه التجربة. وبدون أي تردد، وضعني والداي لوحدي على متن الطائرة (كان عمري آنذاك 15 عاماً) وأرسلوني لمدة ثلاثة أشهر إلى الطرف الآخر من العالم.

مذهل حقاً! وكيف كان ذلك؟

لقد أغرمت بذاك البلد. اعتدت أن أكون انطوائياً في حياتي، لكني لا أستطيع أن أقول ذلك بعد الآن. لقد أحببت برنامج التدريب المحلي.

على سبيل المثال في ألمانيا: عليك أن تقرأ شيئاً ما باستمرار بنفسك ، وتدرس كثيراً، وكل شيء مختلف هناك. حيث تقام الكثير من الدروس التفاعلية التي نبحث فيها كمجموعات عن إجابات معاً، وهناك أنشطة التي يمكن أن تساعد في الحياة اليومية، منها: الطبخ، والعمل، والاقتصاد، والزراعة. كما يمكن اختيار العديد من العناصر بناءاً على اهتماماتهم.

كان هناك 20-30 شخص في الصف، ومعظمهم من السكان المحليين. في البداية، كان من الصعب التحدث باللغة الإنجليزية أثناء الدروس، ولكن مع مرور الوقت اعتدت على ذلك. طبعاً بدأت في تعلم اللغة الإنجليزية في المدرسة، لكنني تعلمت حقاً ممارسة اللغة الأجنبية وفهم ثقافتها هناك فقط.

وكم لغة تتحدث الآن؟

أتحدث الألمانية، الإنجليزية، جافا، سي ++، بايثون … (هنا يبتسم ماكس خلسة، ثم ينفجر بضحكة عالية).

ما هذا، اشرح لنا بمزيد من التفاصيل!..

هذه هي لغات البرمجة، وكثيراً ما أمزح حولها. هناك حاجة إليها لإنشاء وكتابة رموز التي تستخدم في صنع البرامج …

متى اكتشفت اهتمامك بالبرمجة؟

كل شيء بسيط هنا. فقد تعلمنا بعض الأساسيات في المدرسة، في درس النظم المعلوماتية، وقرر المعلم أن يقدم لنا اختبار مفاجئ.

كان الجميع في صفي في حالة صدمة، أما أنا على العكس من ذلك، فقد خرجت من الإمتحان بمعنويات عالية، وكنت أرغب في مناقشة الإجابات مع زملائي، لكنهم كانوا ينظرون فقط إلى السؤال كما لو أنهم يقولون “كيف يمكننا معرفة ذلك؟” ثم حصلت على علامة جيدة، وأدركت أنه مقدّرٌ لي. بعد ذلك، ذهبت إلى الجامعة وتخصصت في علم الحاسوب.

ما أكثر ما يثير إعجابك في هذا التخصص؟

وجود حل واضح لكل مشكلة، وحقيقة أن الإجابة الصحيحة دائماً واضحة وليست محل نقاش.

حيث يجب على المبرمج فهم المهمة الموكلة إليه وتفكيكها حتى النهاية، حتى تختفي المشكلة تماماً. هذا هو بالضبط ما يتم تدريسه في الجامعة – تشخيص وحل المشكلات، والنهج الصحيح للتحليل.

نود أن نعرف المزيد عن دراستك في الجامعة، ما أكثر موقف أعجبك في الجامعة ولا تنساه؟

 أريد أن أضيف بأن البرمجة نفسها في الجامعة عندما كنت أدرس، لم يتم تدريسها عملياً. فقد كنت أجرب بنفسي في المنزل، كنت أحاول باستمرار…

أحب هذا الترابط نفسه – بيان واضح للمشكلة واختيار حلها البسيط والقريب مني شخصياً. لدي هذا النهج لكل شيء في الحياة أي لا توجد أي صعوبات تقف أمامي. كانت الجامعة ممتعة بكل ما فيها، كنا نستعد كمجموعة شباب للامتحانات، والعصف الذهني، وممارسة رياضة الرجبي.

أحببت الذهاب إلى المحاضرات والاستماع إلى الأساتذة. بالمناسبة، لم أستخدم أنظمة FM أبداً، كنت أحاول دائماً الاستماع إلى ما كان يقوله المحاضر، ومع مرور الوقت، أصبحت أكثر تركيزاً، حتى بدون الجلوس في المقاعد الأمامية.

الأمر كله يتمحور بالتدريب. طبعاً ما ساعدني هو الزراعة الثنائية  – حيث قمت بتطوير مهاراتي في  تحديد مصدر الصوت، والذي لا يقل أهمية في قاعة كبيرة.

ماذا تفعل الآن؟

تم قبولي مؤخراً للعمل في الشركة التي رافقتني طوال حياتي، في شركة MED-EL،  كمهندس البرمجيات لتطوير الأنظمة الخارجية.

وهذا الأمر مهم جداً بالنسبة لي، لأنني قمت باستبدال العديد من المعالجات الصوتية المختلفة. لقد بدأت باستخدام جهاز CIS-PRO ثم OPUS 2، والآن أستخدم جهاز SONNET.

الميزة الأهم التي يمكنني تجربتها مع إصدار المعالجات الجديدة هي تقنية تشفير الأصوات، وهذا يشمل على سبيل المثال: القدرة على إدراك الترددات المنخفضة، والصوت بشكل أفضل وأكثر طبيعية.

الآن، كجزء من الشركة، يمكنني المساهمة في التطورات المستقبلية، واختبار ومشاركة رأيي.

بالنسبة لي هذا مهم جداً والذي كان حلمي منذ الطفولة. أنا سعيد للغاية أنني تمكنت من تحقيقه بفضل دعم أحبائي ومثابرتهم.

شكراً جزيلاً على هذه المقابلة، نتمنى لكم التوفيق والتقدم المستمر والنجاح في المستقبل.

Recent Posts