الفنانة التي عاد لها سمعها – قصة أوليسيا

كلُ واحد منا في الحياة مر بشيء غيّرهُ. الحدث الذي غيّرني وغير حياتي كُلها هو حريقٌ قويٌ في منزلنا. كنت فقط في السنة الثانية من عمري. في ذاك اليوم، الحياة أعطتني فرصة أخرى، فقد تمكن رجال الإطفاء من إنقاذي.
لكن بعد هذا الحادث، وبعد مروري بوحدات العناية المركزة، والأمراض الرئوية، توقفت عن سماع هذا العالم. كان الأمر واضحاً بالنسبة لي: أن لا شيء سيعود كما كان من قبل.

نعم، لقد كان قاسياً ومؤلماً التوقف في نقطة ما عن سماع صوت عائلتي، حتى لو كنتُ لا أدرك كيف كانت أصواتهم قبل الحريق. بعد هذه المأساة، تملكتني العزلة، وبدأت في الرسم.

ذكرت أمي في مذكراتها: “10/12/1994 أوليسيا عمرها 3 سنوات. يمكنها أن تقضي يومها كله ترسم وتنسى أن تتناول الطعام! الزينة وقطع الورق من حولها. هذه ثالث علبة ألوان تنهيها!”. لقد درستُ في المدارس العادية، والتي غيّرتني كثيراً، كان الأمر صعباً جداً بالنسبة لي، لم أسمع الكلام بوضوح حتى مع سماعاتي الإثنتين، ولم أتمكن من التحكم في صوتي، وكان كلامي غيرُ واضحٍ.

هذه الصورة رسمتها عندما كان عمري 16 عاماً.

      هذه الصورة رسمتها عندما كان عمري 16 عاماً

كان من الصعب للغاية بالنسبة لي أن أتقبل أنني لست مثل أي شخص آخر. لكن على الرغم من كل شيء لطالما كنت أتوق إلى الأفضل في الحياة، وكنت أحلم بالسمع والعيش الكامل والسفر، وأن أكون شخصاً مستقلاً.

في التاسعة عشر من عمرها، قررتُ الدراسة في أكاديمية الفنون في إيطاليا. لكن القرار الأهم عندما علمتُ عن زراعة القوقعة في سنتي الأولى في إيطاليا، وبعد التفكير في جميع الإيجابيات والسلبيات قررت المضي في أمر الزراعة حتى لو كان والداي معارضين وقلقين من إجرائي للعملية.

لم يكن لدي شيء أخسره، واستعادة سمعي كان حلمي، وحين تصبح أحلامك أقوى من مخاوفك فإنها تبدأ بالتحقق.
عندما أصبحت في الثانية والعشرين من عمري أُجريت لي أول عملية زراعة للقوقعة، ولن تصدقوا أنني قمت بإجراء عملية زراعة القوقعة لأذني الثانية في عامي السابع والعشرين، وقد غيرت هاتين العمليتين حياتي بالكامل.

لقد كنت قلقة جداً قبل التشغيل لكنني بدأت بالبكاء عندما سمعت الأصوات الأولى. بالطبع كان الإحساس رائعاً للغاية، فبعد وقت طويل جداً، بعد عشرين سنة من الصمت، عادت الأصوات لي من جديد.

كأنني كنت في غيبوبة طويلة وعدتُ الى الحياة، وعاد عصبي السمعي يستقبل الأصوات، ومع الوقت بدأت هذه الأصوات بالوضوح شيئاً فشيئاً كأنني بدأت أتعرف على أصوات الحياة صوتاً صوتاً، وبدأت هذه الأصوات تشكل معاني، وبدأت حياتي الجديدة، وفرصي الجديدة، وبدأت أوليسيا الجديدة.

وكلما مضى الوقت كلما تحسنتُ أكثر وأكثر وتحسن فهمي للأصوات والكلمات من حولي، لقد بدأت بالرقص، والسفر لوحدي، والإستمتاع بالسينما. قد تكون أشياء بسيطة بالنسبة لكم لكنها تعني ليَ الكثير.

هذه الرسمة التي ترونها اليوم هي أنا، لقد قررت أن أرسم نصف وجهي في الظلام دلالة على الماضي المظلم الذي عشته بلا سمع، وفي يدي قلم على شكل أذن، أما نصف وجهي اليمين المضيء هي أنا اليوم وأنا أعيش هذه السعادة.

هذه الرسمة المعبرة عن حياتي كانت بمثابة مشروع تخرجي من كلية الفنون.
ضعف السمع الذي أصابني شكّل لي شخصية قوية، وعلمني عدم الإستسلام، علمني أن أحلم، وأن أبتسم وسط الدموع، وعلمني أن أسامح، وأن أجتهد، وأن أقدّر الحياة وأحاول الإستمتاع بها.

أنا ممتنة لكل شخص في شركة MED-EL ساهم في إيجاد حل زراعة القوقعة، ولكل شخص في الشركة ما زال يعمل على تطويره.

فأنا بفضلكم يتحسن سمعي في كل يوم وكل شهر وكل سنة، فقد بدأت أسمع صوت تنفسي وصوتي وصوت خطواتي، صوت الناس من حولي، صوت صفحات الكتب عند تقليبها، صوت العصافير، صوت الموسيقى، صوت الهاتف، صوت أمي وأبي، لن تتخيلوا مدى سعادتي حينما سمعت كلمة مرحباً أول مرة من دون أن أقرأ شفاه المتحدث، وأخيراً لقد عدتُ إلى سماع الحياة.

وهذه الصورة أثناء رحلتي إلى الأردن، وزيارتي للصحارى الأنيقة الحمراء في وادي رم والبتراء ووادي عربة. أحببت أن أرتدي ملابس مثل البدو، وأراقب طريقتهم في الحياة، لقد صُدمت من معرفتهم عن زراعة قوقعة الأذن حتى في الصحراء!

الحمدلله، لقد حققت كل أحلامي! كنت وما زلت أؤمن بنفسي حتى عندما كان الجميع يشك بذلك. فقد تخرجتُ من أكاديمية الفنون في إيطاليا، وتعلمت اللغة الأجنبية، وأحب أن أسافر حول العالم حيث يمكنني التواصل مع الآخرين والتعرف على ثقافات مختلفة.

Recent Posts